بعد "أهل الكهف".. هل تعود الأعمال الدينية إلى الدراما المصرية؟

ثقافة وفن

اليمن العربي

يرى نقاد وخبراء في الدراما أن الفيلم المصري "أهل الكهف"، المقرر عرضه في شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، قد يكون مؤشرا لعودة الأعمال الدينية في مصر، سواء في الدراما التلفزيونية أو السينما، حال نجاح الفيلم.

 

ويتناول فيلم "أهل الكهف" محاكاة القصة القرآنية التاريخية لأصحاب الكهف، ولكن بقالب فني يتناسب مع العصر الحديث، وفقاً لصُناع العمل.

 

ما قصة مسرحية توفيق الحكيم؟

 

وحول فكرة الفيلم المأخوذة من مسرحية "أهل الكهف" للكاتب والروائي المصري الراحل توفيق الحكيم، التي اقتبس فكرتها من القصة القرآنية المعروفة، فهي تجسد صراع الإنسان مع الزمن في شخصيات ثلاثة من المؤمنين المسيحيين الذين فروا بدينهم وإيمانهم بعيدا عن بطش الحاكم الروماني الذي كان يأمر بقتل وتعذيب أي مخالف، ليستقروا في كهف، ويغطوا في نوم يستغرق أكثر من ثلاثة قرون، ثم يبعثون إلى الحياة بعد انقطاع ثلاثمئة سنة، ليجدوا أنفسهم في زمن غير الزمن الذي عاشوا فيه من قبل.

 

وكانت لكل شخص من الثلاثة، علاقات وصلات اجتماعية تربطهم بالحياة، فكان كل منهم يرى فيها معنى حياته وجوهرها، وفي حين هم يستيقظون مرة أخرى يسعى كل منهم ليعيش هذه العلاقة الحياتية.

 

لكن الثلاثة سرعان ما يدركون بأن العلاقات القديمة انقضت بمضي الزمن، الأمر الذي يحملهم على الإحساس بالوحدة والغربة في عالم جديد، ليواصلوا الصراع مع الزمن والتغير والتحول الكبير بعد عودتهم للحياة.

 

اجتهاد شخصي

 

وحول تعليق الدين فيما اقتبسه الكاتب الراحل توفيق الحكيم، يقول الدكتور مصطفى السيسي، أستاذ التفسير وعلوم القرآن في كلية أصول الدين في جامعة الأزهر الشريف، إن ذكر الكتاب عدد أصحاب الكهف بثلاثة أشخاص كان اجتهادا شخصيا منه، فالقرآن الكريم لم يحدد صراحةً عدد أصحاب الكهف.

 

وأضاف مصطفى السيسي، أن توفيق الحكيم استند في ذكره عدد أصحاب الكهف على أحد الأقوال الذي حكاها القرآن الكريم على سبيل الحكاية، حينما قال الله تعالى: "سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ"، وهو جزء من الآية الكريمة من سورة الكهف، الذي يقول فيها الله: "سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا (22)".

 

وأوضح أستاذ التفسير وعلوم القرآن، أن المفسرين قالوا إن الراجح أن عدد أصحاب الكهف 7 وثامنهم كلبهم، مؤكداً أن عددهم لم يكن معروفاً بالتحديد فرب العالمين سبحانه قال: "قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم".

 

وتابع أن الهدف من القرآن الكريم في حكاية هذه القصة ليس ذكر العدد، ولكن هذا للعبرة، لذلك القرآن الكريم لم يكشف العدد بالتحديد، فكان من الممكن أن يقول الله سبحانه هو أعلم بالعدد بالتحديد، لكن الهدف العظة والعبرة وقدرته سبحانه وتعالى على إحياء الموتى، وأن الحق لابد أن ينتصر مهما طال الزمان.

 

وعن قصة أحد الأفراد الثلاثة الذين ذكرهم توفيق الحكيم في المسرحية والذي يدعى "مشيلينا" والذي تفاجأ بوجود حبيبته "بريسكا"، ولكنها كانت حفيدتها وتشبهها وينشأ صراع خاص بين الحب القديم والفتاة الجديدة، يقول أستاذ علوم القرآن في الأزهر الشريف، إن كاتب المسرحية أديب، وغالباً الأديب يكون لديه نوع من الخيال الزائد.

 

وأشار الدكتور مصطفى السيسي أن القرآن الكريم ترك المجال مفتوحا حول تفاصيل قصة أصحاب الكهف، فلم تثبت أي أحاديث صحيحة في تفاصيل هذه الأمور المتعلقة بالقصة، لذلك أرى أن الكاتب لم يخطئ ولم يتعدَّ على النص القرآني في شيء.

 

وحول جدلية مكان الكهف صاحب القصة التاريخية في القرآن الكريم، يقول أستاذ علوم القرآن في الأزهر الشريف، إن القرآن الكريم لم يرد فيه موقع الكهف، وكذلك لم يأت حديث نبوي صحيح أو عن السلف يذكر مكان الكهف.

 

وأضاف أن من تحدث عن مكان الكهف جميعها اجتهادات، من قبل علماء التاريخ، الذين رجحوا أنه موجود في الأدرن، ولكن القرآن لم يهتم بذكر مكانه في أي مكان يتواجد.

 

رأي الدين في تحويل القصص القرآنية لأعمال فنية

 

وحول إجازة محاكاة القصص القرآنية في الدراما التلفزيونية والسينمائية، يقول الدكتور عبدالمنعم فؤاد، أستاذ العقيدة وعميد كلية الدراسات الإسلامية للوافدين في الأزهر الشريف، إن محاكاة قصص القرآن في أعمال فنية أمر جائز ولا شيء فيه من الناحية الدينية.

 

وأكد أستاذ العقيدة، ضرورة مراجعة القصص القرآنية مراجعة شرعية قبل تحويلها إلى أعمال فنية، على أن تكون المراجعة من الجهات المعنية المتخصصة وهي مؤسسة الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية، بحسب ما أجاز الدستور المصري في مادته السابعة.

 

وشدد على ضرورة التزام صُناع العمل الدرامي بالمتفق عليه مع الجهة الدينية عقب مراجعة العمل، وعدم تدخل وجهة نظر المخرج أو غيره من صُناع العمل في تغيير شيء معين في القصة القرآنية لضبط حبكة درامية معينة.

 

وأكد أن النص القرآني لا يخضع لآراء المخرجين، وإلا ستكون هناك مغالطات كثيرة متعلقة بالتاريخ والسير الخاصة بالقصص القرآنية.

 

ثقافة عربية مشتركة

 

وقالت الناقدة المصرية خيرية البشلاوي، إن نجاح فيلم أهل الكهف سيفتح شهية المنتجين وصناع الدراما لإنتاج أعمال فنية، مرجحة أن العودة مشروطة بتحقيق الفيلم نجاحات كبيرة.

 

وأكدت البشلاوي، أهمية عودة الأعمال الدينية خاصة في الدراما باعتبارها مصدرا أساسيا للثقافة المصرية المشتركة مع الدول العربية.

 

وتابعت: "المشاهد العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة، بحاجة إلى عودة الدراما الدينية من جديد على الشاشات في شكل حكايات وموضوعات مهمة نستطيع أن نجتمع عليها".

 

وقالت إن من الضرورة عودة الأعمال الدينية في الوقت الحالي، خاصة في ظل الحديث عن تجديد الخطاب الديني ونشر الفكر الوسطي المستنير، مؤكدة على قوة تأثير أن القوى الناعمة المتمثلة في الفن في تشكيل الوعي.

 

واعتبرت الناقدة المصرية خيرية البشلاوي أن الدراما بشكل عام من أقوى الأسلحة التي توقظ الوعي وتوسع المدارك، ما يؤكد أهميتها في الوقت الحالي في مساهمتها في مواجهة استقطاب الشباب الصغير للتطرف والإرهاب، خاصة في ظل وجود كيانات إرهابية في المنطقة.

 

غير مربحة

 

أما الناقد المصري سمير الجميل، فيرى أن غياب الأعمال الدينية عن الدراما والسينما في مصر كان بفعل فاعل بداعي عدم تحقيقها مكاسب مالية، رغم أن المشاهد في أمس الحاجة إليها.

 

وقال الجميل، إن إنتاج الفيلم الديني سابقا كان من قبل القطاع الخاص، مثل فيلم (فجر الإسلام)، وفيلم (خالد بن الوليد)، وفيلم (الشيماء)، وكلها كانت من القطاع الخاص.

 

ولم يستبعد سمير الجمل أن يكون نجاح (فيلم أهل الكهف) مؤشرا كبيرا على عودة الأعمال الدينية من جديد، لأن صناع الدراما يسعون للمكاسب المادية. وعند نجاح قالب درامي وتعلق الجمهور به، يفكر الكثير في تنفيذ قوالب مماثلة.

 

وأوضح الناقد المصري سمير الجميل أن الأرجح في الأعمال الدينية هو المسلسل، نتيجة إتاحة وقت الإنتاج به لتشبع المشاهد بمادة دينية دسمة وشاملة، بعكس الفيلم الذي لا تتجاوز مدة عرضه ساعتين ونصف الساعة.

 

الأهم جودة الحكاية الدرامية

 

بينما يرى الكاتب والناقد المصري الدكتور يسري عبد الله، أن الفكرة ليست في غياب أو حضور الأعمال الدينية في السينما أو التلفزيون، لكنها في مدى الجودة الفنية التي تصاغ فيها الحكاية الدرامية.

 

وأضاف عبد الله: "هناك مثلاً أفلام استلهمت التراث الديني وصنعت صورة فنية شديدة التميز مثل فيلم (الرسالة)، وهو فيلم عالمي على مستويات الصورة والأداء وحركة الممثلين والمونتاج والإخراج".

 

وعن قصة فيلم أهل الكهف، يرى الناقد الفني أن الفيلم من القصص الدينية التي تحمل في بنيتها عناصر تشويقية، مشيراً إلى أن الصورة الفنية التي ستظهر عليها من خلال الفيلم ستكون معنية بإبراز حالة التشويق الدرامي، والتحولات التي حدثت في الزمان والمكان التي عاينها أصحاب الكهف.

 

وحول كون الفيلم مؤشراً لعودة الأعمال الدينية من جديد، قال الناقد المصري يسري عبد الله: "هذا مرهون في حالة تحقيق الفيلم نجاحاً كبيراً، ليشكل ذلك محفزاً على إنتاج نوعية مماثلة من الأفلام، لكن الأهم في الحقيقة هو الاهتمام بعناصر الصورة الفنية، وجعل المشاهد يتأمل ويفكر ويستمتع أيضاً".

 

يشار إلى أن فيلم "أهل الكهف" منذ الإعلان عن بداية تصويره، أثار حالة من الجدل، وسط انقسام حول جواز محاكاة قصة قرآنية في عمل فني أم لا.

 

وردّ وليد منصور، منتج الفيلم، أن السيناريو تمت مراجعته من قبل الأزهر في مصر، مشيراً إلى أنه ظل داخل أروقة الأزهر لمدة 6 شهور، وتمت إجازته من قِبله، ثم عرض على الرقابة على المصنفات الفنية، وتمت إجازته أيضاً.

 

وكان وليد منصور قد قال، إن الفيلم مأخوذ عن رائعة الكاتب توفيق الحكيم، وتمت معالجة النص المسرحي وتحويله إلى نص سينمائي بوساطة السيناريست أيمن بهجت قمر.

 

وأشار إلى أن الفيلم يعد الأضخم إنتاجيا خلال تاريخ السينما المصرية، حيث يحاكي حقبة تاريخية، ما يتطلب أموالاً باهظة إلى الإكسسوارات والديكورات.