بالأسماء.. أسوأ موجة اضطهاد للإعلاميين من قبل مليشيا الحوثي منذ 2015 (تقرير)

تقارير وتحقيقات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

يستعرض موقع " اليمن العربي"، ويعيد نشر سلسلة التقارير التي نشرتها صحيفة "اليوم السابع" المصرية ، وذلك لتميزها في رحلتها في رصد جرائم الحوثيين ومعاناة الأهالى ودور قوات التحالف العربي،  ورصدها قصص انسانية، من قلب المخيمات والمستشفيات والجبهات.

 وتكملة للحلقة السادسة، فكان للإعلاميين نصيب ليس بقليل من بطش الحوثيين، وفى مقابر الشهداء وجدا أسماء عدد من المصورين والصحفيين الذين استهدفهم قناصة الحوثى أثناء تأدية مهامهم فى كشف ونقل جرائمه أمام العالم، جعلنا هذا نتطرق لملف انتهاك الحوثيين للإعلاميين والذى تضمن عدة أشكال، يتحدث عنها الدكتور عبدالباسط القاعدى، وكيل وزارة الإعلام اليمينة فيقول: الحوثيون يخشون أى شخص يكشف جرائمهم، ويواجه الإعلاميون والمصورون أسوأ موجة اضطهاد من قبل تلك الميليشيا منذ 2015.

وقد وثقت المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين 20 نوعا من الانتهاكات فى اليمن عن الفترة من 2015 حتى مارس 2018، تنوعت بين 22 حالة قتل و30 حالة شروع فى قتل، و141 حالة اختطاف، و33 إصابة، أما التعذيب والاعتداء الجسدى فبلغ 109 حالات، هذا بالإضافة لـ90 حالة ملاحقة، وتعرض 544 صحفيا للتشريد، جراء تدمير والاعتداء على 54 مؤسسة صحفية، وأيضا بلغت حالات التهديد 47 و8 حالات تم الضغط عليهم باختطاف أقارب لهم، مضيفا أن الحوثيين يرفضون أى وساطة أو تفاوض للإفراج عن الصحفيين بالتحديد، لأنهم يعتبرونهم غنيمة.

وعن أنواع التعذيب يقول أكثرها التعليق والصفع، ولنا زميل اسمه يوسف عجلان تم اعتقاله مدة عام ونصف، وخرج يعانى من أمراض ومشكلات فى الذاكرة والظهر والأذن.


وحول دور الوزارة فى الدفاع عن الصحفيين والإعلاميين، قال: نحن نحمل هذا الملف فى المحافل الدولية، ونعرضه فى المؤتمرات الدولية فى جنيف وبروكسل وباريس، لمطالبة المجتمع الدولى بالضغط على الحوثيين للإفراج عن المختطفين وإيقاف آلاتهم الموجهة لصدر كل صحفى، وذلك بالتعاون مع الاتحاد الدولى للصحفيين واتحاد الصحفيين العرب وأيضا تم عرض القضية فى مجلس حقوق الإنسان فى سويسرا، لكن الحوثى لا يعير المجتمع الدولى أو الكيانات التى تدافع عن حقوق الإنسان أى اهتمام.


وائل العبسى ضمن قائمة الشهداء الإعلاميين، استشهد وهو فى عمر الـ27 عاما، وكان يعمل مصورا لقناة اليمن، قرر أن يترك أهله فى عدن منذ اندلاع الحرب ليأتى إلى تعز من أجل نقل الحقيقة، يحكى لنا صديقه بدر الدين محمد أنه كان شخصا يحب المرح والضحك، وكان مرتبطا بفتاة ويحبها حبا كبيرا وتقدم لها قبل الحادث بوقت قصير، وتم عقد القران وحدد موعد عرسه فى الشهر التالى، ولكنه قتل بقذيفة جماعة الحوثى وهو عائد من تصوير المواجهات فى الجبهة الشرقية.

من بين شهداء الإعلاميين أيضا تقى الدين الحذيفى، ويقول لنا زميله محمد الحدادى إن الشهيد كان فى الصف الثانى إدارة أعمال بجامعة تعز، وكان يقف أمام زملائه فى القسم، ويقول لهم أنا مهاتير محمد، سأكون مهاتير محمد اليمن وسأرفع شأن وطنى اقتصاديا.

يضيف الحدادى أن الشهيد كان يغطى الأحداث أحيانا لقناة السعودية الإخبارية، وأحيانا للعديد من القنوات الأخرى، بمعنى أنه لم يكن متعاقدا مع جهة محددة فكان يصور وأى قناة تحتاج لتغطية حدث تطلب منه، وفى منتصف عام 2016 تقريبا وفى يوم جمعة، تلقى اتصالا أن هناك معركة قوية فى الجبهة الشرقية، وخرج تقى الدين مع مصور قناة اليمن والمصور وليد القدسى لتغطية الجبهة الشرقية، وبعد أن أكملوا التصوير وهم فى أحد المبانى خلف الجبهة أطلق عليهم الحوثيون، منهم من قال إنها قذيفة ومنهم قال إنه صاروخ، وقتلوا جميعا، عدا وليد القدسى الذى بترت قدمه.

المصور الصحفى عبدالله القادرى قتل أثناء تغطيته سير المعارك الميدانية فى جبهة قانية بمحافظة البيضاء وسط اليمن، وكما صرح مصدر طبى فى هيئة مستشفى مأرب فإن القادرى توفى متأثرا بجراحه التى أصيب بها إلى جانب زملائه بصاروخ موجه أطلقه الحوثيون على الوفد الصحفى أثناء تغطية المعارك بعد سوق قانية، ويعد القادرى من أقدم المصورين والصحفيين الذى قامو بنقل أخبار للمعارك منذ بدء الانقلاب عام 2015.

الشهيد الرسام مشتاق العمارى

ضمن باقة الشهداء انضم مشتاق العمارى الذى كان طالبا فى جامعة تعز مستوى اول فنون جميلة كان يرسم وهو في مترسه ومن الصور التى رسمها صور الشهيد محمد عزالدين أما الشهيد أواب الزبيرى، فقد انفجرت فيه عبوة ناسفة اثناء قيامه بتصوير  تقدم شباب اليمن  العسكرى على الجبهات.

أم شهيد تشكل رابطة أولياء الدم 

استمرارا لدور المرأة اليمنية فى الحرب ومواجهة الحوثيين، قامت الدكتورة خديجة عبدالملك بتشكيل رابطة أمهات الشهداء أو أولياء الدم كما يطلقون عليها، وتضم فى عضويتها أكثر من 80% من أمهات الشهداء، وعن هداف الرابطة تقول الدكتورة خديجة: «تشكلت منذ 3 أشهر لأننا عاوزين مستحقات ولادنا الشهداء وهذا أقل واجب يقدم لهم فأنا أم لشهيد عمره 19 عاما وكان طالبا فى الصف الثالث السنوى وطلعت النتيجة بعد استشهاده فى 2016 وكان مع المقاومة الشعبية فى معارك الشقب وهى مازالت مشتعلة حتى الآن، آخر حاجة قالها لى محمد ادعيلى بالشهادة يا أمى».

وتواصل: بعد استشهاده وجدنا أن فيه حقوق كتير ضايعة للشهداء، ففكرنا نتجمع أنا وأمهات لشهداء آخرين فى 22 مديرية فى تعز ووجدت تجاوبا منهن، وأبرز مطالبنا تخصيص رواتب لأسر الشهداء، فمنهم من ترك وليدا أو زوجة أرملة، أو أبناء، وأيضا نطالب بترقيم الضحايا المدنيين، فهناك ضحايا غير موثقين، وتنهى بالقول: «هنقاوم الحوثيين عشان نرجع حق دم الشهداء، وهننتصر على الحوثيين من أجلهم». 

كلية آداب تعز والمتحف منطقة عسكرية للحوثيين

على مقربة من منطقة مقابر الشهداء وجدنا منطقة يغلب عليها الخراب رغم أن بقايا ما بها من مبان يوحى أنها كانت منطقة مهمة.. هى المنطقة الرابعة بتعز كما يسمونها.. اقتربنا منها وجدنا مبنى معلقا عليه لافتة محطمة والمتبقى منها كلمة كلية فقط، وبداخل أبوابها المتراكم عليها الصدأ، شاهدنا الأثاث المدمر والقمامة وبقايا الهدم فى كل ركن وعلى مبانيها بالداخل آثار القصف، علمنا من الأهالى أنها كلية الآداب جامعة تعز، وفى محيطها حديقة الطفل والبنك المركزى اليمنى فرع تعز ومقر مديرية الأمن، وجميع هذه المقرات تم تدميرها من قبل الحوثيين أيضا.

وعما تعرضت له مبانى الجامعة بتعز من هجوم حوثى قال الدكتور مجيب مصلح، الأستاذ بالجامعة، إن الجامعة تعد من كبرى الجامعات الحكومية فى اليمن، وتأسست فى البداية بكلية التربية كفرع يتبع التربية بجامعة صنعاء عام 1985-1986م، ثم أصبحت جامعة مستقلة عام 1995م، وحققت تطورا كبيرا حتى أصبحت تضم 8 كليات و10 مراكز بحثية، مشيرا إلى أن بعض كليات الجامعة شهدت اعتداء من قبل جماعة الحوثى، ومنها كلية الآداب وهى من أوائل الكليات التى تأسست وأيضا كلية الطب المجاورة لإحدى مناطق التماس مع الحوثيين، وهى منطقة قصر الشعب، وترك الرصاص آثاره على المبانى، كما قامت الميليشيات بنهب جزء من محتوياتها والأثاث تهشم تماما، لكن تم نقل طلاب الكليات التى تعرضت للتدمير إلى مقر الجامعة فى حبيل سلمان، واستطاعت الجامعة أن تكمل المسيرة التعليمية وتتغلب على المعوقات.


وأضاف أن لطلاب جامعة تعز دورا كبيرا فى المقاومة الشعبية منذ الهجوم الحوثى فى 2015 ومازالو يشاركون، فهم مؤمنون بأهمية الدور الوطنى فى المعركة التى تخوضها تعز وأنهم سوف ينتصرون بالنهاية.


تضم تلك المنطقة أيضا متحف تعز الذى لم يتبق من اسمه سوى اللافتة، ونوافذ مهشمة وأجزاء من الطابق العلوى مهدمة، بخلاف القمامة ومخلفات الهدم المحيطة به، وعن تفاصيل ما تعرض له المتحف والكلية وبقية المبانى المجاورة لهما وتدميرها، قال حمود محمد شمسان عضو المقاومة الشعبية وشاهد عيان على هجوم الحوثيين على المتحف والمبانى المجاورة له، إن هذه المنطقة كانت مهمة لأنها تضم بعض المبانى التابعة لجامعة تعز منها كلية الآداب التى استخدموها فترة كمكان لتخزين أسلحتهم ثم دمروا مبانيها، ونهبوا منها بعض الممتلكات مثلما فعلوا فى المتحف الوطنى، الذى كان به قطع أثرية تعود لألفى عام، ومخطوطات فى غاية الأهمية وتماثيل تعود للدولة الرسولية، وكان يتردد عليه سائحون كثيرون وكان يلقى دعما من اليونسكو، وعندما دخل الحوثيون للمنطقة خربوه وحولوه ثكنة عسكرية لمدة عام ونصف العام، وسرقوا القطع الأثرية منه، وتركوه مهدما خاويا، وبعدما حررنا كمقاومة شعبية المنطقة استطعنا إنقاذ جزء من القطع الأثرية الذى خبأه العاملون فى المتحف عن أعين الحوثيين، مضيفا أن الحوثيين لم يكتفوا بذلك، بل دمروا قصر الإمام وكان معلما مهما فى المحافظة.

أطفال تعز وقصص القصف العشوائى

للأطفال فى تعز أيضا نصيب من قصص البطولة، ويكفى أنهم يعيشون ويلعبون ويسيرون يوميا إلى مدارسهم تحت نيران القصف.. قالت ميادة عود، فى الصف الثالث الإعدادى: «أحيانا يقصفوا المدارس وبنروح المدرسة وإحنا خايفين، الحوثة يرموا القذيفة أى وقت وساعات نسمع صوت القصف نطلع نجرى نستخبى فى أى حتة، إحنا عارفينهم وعارفين إنهم مش بيحبوا العيال الصغيرة ونفسى يمشوا من بلادنا ونعيش فى أمان، وأنا شفت أصحاب ليا يموتوا قدام عينى».

أما ربيعة محجوب، فى الصف الأول الإعدادى، فتقول: «نسمع القصف طول الوقت ونشوف ناس تتقطع قدامنا، ويوم نروح المدرسة ويوم لا، الله يحرقهم حسبى الله ونعم الوكيل»، فيما يحكى صبرى عادل: «يوم الجمعة اللى فاتت كنت ألعب مع ابن عمى وأخويا وضربنا بقذيفة وأخويا مات فى المستشفى، ودلوقت خايف على ابن عمى يموت هو كمان». 

وتتحدث صالحة طفى بالصف الرابع الابتدائى: «أنا كنت بلعب مع أصحابى فى حوش المدرسة من قريب والقذيفة موتتهم كلهم، وأنا رحت المستشفى وخفيت وبطلت ألعب فى الحوش.


الطفل عمر عبدالواحد الذى يبلغ من العمر 12 سنة رفع ملابسه ليرينا بطنه التى تحمل آثار شظايا، وصف لنا ما تعرض له من انتهاك قائلا: «أنا واخد شظايا فى بطنى ورُحت المستشفى ودلوقت كويس، وده بقى عادى عندنا وكتير مننا عنده تعويرة فى جسمه».


يستكمل قصته قائلا: «كنت أعمل ساقى قبور وفى يوم كان فيه كتير أهالى جايين للشهداء أول ما وصلوا وهم جالسون سقطت قذيفة ومنهم ناس اتصابوا وأنا كمان اتصبت فى بطنى». 


كذلك يقول محمد «10 سنوات»: كنت رايح الدكان أشترى حلاوة، وبعدها سمعت ضرب ولقيت رجلى بتنزل دم وما حسيتش بحاجة بعد كده، ولقيت نفسى فى مستشفى الثورة وأبويا معى وسألته ليه رجلى متعورة فقالى الحوثة عوروك بس هتبقى كويس ما تخافش، جلست كتير أتعالج وبعدها خرجت وأنا عارف إن ممكن الحوثة يعملوا كده تانى».