التجربة الصومالية 2
*التجربة الصومالية 2
**المحاكم
بعد سنوات من الحرب الأهلية ، أصبح لدى الصومال حكومة كرتونية ، موجودة فقط على الورق ، بينما الشعب يعاني تحت قبضة أمراء الحرب ، الذين تحولوا الى جبات لأموال المواطن الصومالي ، وبين الفينة والاخرى ، تنشب معارك طاحنة بين الفصائل المتناحرة في معظم مدن الجنوب ، بينما نشأت أقاليم في الشمال ، تتمتع باستقرار نسبي ..
العالم والاقليم الذي أراد مغنما من دون مغرم ، اتخذ له وكلاء محليين ، ليتحول أمراء الحرب لأدوات لحفظ مصالح القوى الاقليمية ، والتي لاتريد صومالا قويا ..
كانت دول الاقليم تخشى الصومال ، كيف لا وهناك مناطق وأقاليم صومالية تحت سيطرة دول الجوار .
الجيران لم ينسوا معارك طاحنة ، خاضوها مع الدولة الصومالية فيما سبق ..
من بين كل هذا الركام ، نهضت حركة المحاكم الاسلامية ، والتي لم تكن حركة منظمة أو جبهة عسكرية ، كانت مجرد مجموعة من القوى الوطنية ، ذات الخلفية الاسلامية ، مع تحالف رجال أعمال وقوى سلفية ، مزيج من المتناقضات ، وحدهم الضيق ذرعا بالعبث الذي يحدث في بلادهم ..
المحاكم لم تقم بالكثير فقط إحلال السلام ، وتقديم الحماية للمواطنين ، وحفظ مصالح التجار ، ومصادر عيش المواطن ..
ما كان يبدو بسيطا أصبح إعصارا يعصف بالمنطقة ، لتسقط المدن تباعا في يد المحاكم ، ويتم طي صفحة سوداء من تاريخ الصومال ، والقضاء على الكثير من أمراء الحرب ..
لايحتاح برميل البارود إلا لشرارة لينفجر الصومال ، لم تكن المحاكم قوى منظمة أو مدعومة إقليميا ، لكنها أعطت للغريق قشة ، فتمسك بها الانسان الصومالي الذي مل العبث بوطنه ..
الاقليم الذي ظل يتفرج طويلا على معاناة الشعب الصومالي ، ولم يحرك ساكن ، تدخل أخيرا ، ليس من أجل حفظ السلام ، ولكن للقضاء على المحاكم ، لابأس أن يموت آلاف الصوماليين ، لكن لايمكن أن تحكم قوى غير مرضي عنها ..
رغم كل هذا إلا أن ماقبل المحاكم ليس كبعده .
لم يعد هناك مكانا للأدوات ..
31 يناير 2009 م تم انتخاب رئيس المحاكم الاسلامية شيخ شريف شيخ أحمد رئيس للصومال ، وتبدأ الصومال تخطو خطواتها نحو الاستقرار ..
رغم الاحداث والعقبات والتي تلت ذلك ، إلا أن اللحظة التي أدرك الشعب الصومالي أن الادوات لاتصنع دولة ، ولاتعيد أمن ، كانت لحظة فارقة ، تلك الذي وصل لها الشعب لهذا الادارك ، ومن المفارقات العجيبة ، أنه في المرحلة التي بدأ الصومال يمشي إلى بر الأمان ، أخذ بقية الوطن العربي يهرول الى المجهول ، سبحان الله وكأنهما أضداد لاتلتقيان ، وقد تنهض بلدان الاضطراب يوما ، ليغرق بدلا عنها من كان يقف على البر متفرجا .
علمتنا الصومال أنه من لايخوض غمار المعركة لايمكن أن يكون فيه خير للشعب ، ومن يعتقد أنه يستطيع أن يحكم وطن من فندق في دولة أجنبية ، لا أمل يرجى منه ، الشرعية هي شرعية الارض ، لاشرعية الورق ، ومن يظن غير ذلك ، فإن مآسي التاريخ والجغرافيا هي الفيصل ، 15 عام أخذها الشعب الصومالي ، ليستوعب الدرس ، سنوات عجاف قاسية ، كانت كافية ليدرك كل ذي عقل عبثية المشهد ، الذي مر به الأخوة في الصومال ..
في وطني الجميع يعرف عبثية ماتمر به اليمن ، لكن النخب تخشى الحديث ،تخشى قول الحق ، الجميع يريد أن يحافظ على ما بين يديه ، وآخرون يتمنون أن يكونوا مخطئين ، وبين كل هذا وهذا رصيد كبير من الارتزاق ، وكل يعتقد أنه يستطيع إنقاذ نفسه وهذا يكفي .