"مايا" ابنة بوتفليقة "السرية".. فساد بسيناريو سينمائي

عرب وعالم

اليمن العربي

لم يكف فضائح الفساد التي التصقت بعهد نظام الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة وتفجرت بعد استقالته، لتطفو قضية غريبة أخرى، مرتبطة باسم بوتفليقة وقضايا الفساد. 

 

وتنظر محكمة منطقة "الشراقة" بالجزائر العاصمة، الأربعاء، واحدة من أغرب قضايا الفساد في البلاد، والمتهم الرئيسي فيها سيدة تدعى "مايا" الشهيرة بـ"مدام مايا".

 

و"مايا" سيدة غامضة ادعت طوال أكثر من 5 سنوات أنها "ابنة" بوتفليقة "لكنه لم يكشف عنها" لتجر معها كبار المسؤولين في عهده بقضايا فساد.

 

ومن أبرز المتهمين في قضية "مايا" المدير العام الأسبق للأمن الوطني (الشرطة) اللواء عبد الغني هامل، ووزيرا الأشغال العمومية الأسبقان محمد الغازي وعبد الغني هامل الذي شغل أيضا منصب مدير حملته الانتخابية غداة ترشحه لولاية خامسة، وكذا 11 شخصاً آخر بينهم رجال أعمال.

 

ويتابع المتهمون الـ15 في عدة قضايا فساد، تتعلق بـ"منح والحصول امتيازات غير مستحقة، وتلقي رشاوي، وسوء استغلال الوظيفة، وتبييض الأموال، ومخالفة التشريع الخاص بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، واستغلال الوظيفة، ومنح والحصول على رشاوى.

 

قضية غريبة تفجرت حتى قبل انسحاب بوتفليقة من الحكم، لكن تحرك القضاء والأمن بالجزائر لم يظهر إلا بعد جر كبار أركان نظامه إلى أروقة العدالة والسجون بتهم فساد بعد استقالته في 2 أبريل/نيسان 2019.

 

وتعود أطوار القضية إلى عام 2017، بعد أن ضبط الأمن الجزائري بإحدى فيلات إقامة الدولة "موريتي" تابعة للسيدة "مايا" وهي الإقامة التي تضم سكنات كبار المسؤولين في الجزائر، على مبلغ ضخم قدره 11 مليار سنتيم أي ما يفوق مليون دولار أمريكي و17 كغ من الذهب ومبلغ آخر من العملة الصعبة لم يتم التصريح به.

 

وقررت الجهات الأمنية حينها فتح تحقيق في المضبوطات، إلا أنه تم التكتم على الفضيحة حتى 14 يوليو/تموز 2019، بعد أن أودع المتهمون الحبس المؤقت وأعيد فتح القضية.

 

الفيلا 143.. فخ للمسؤولين

 

لم تكن تلك الفيلا إلا للسيدة "مايا" الغامضة، ورغم أنها لم تكن مسؤولة في أي مؤسسة سيادية، إلا أنها تمكنت من الاقتراب من كبار المسؤولين ودخول "منطقة محرمة".

 

واعتبر المراقبون، عقب تفجر القضية، بأن ذلك يعد "اختراقاً أمنياً رهيباً وغير مسبوق لمنطقة تجمع أغلبية كبار المسؤولين"، بينهم السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق، ورؤساء وزراء ووزراء ومسؤولون أمنيون وعسكريون وكذا رجال أعمال مقربون من شقيق بوتفليقة.

 

تمكنت "مايا" من التقرب من هؤلاء المسؤولين بحيلة غريبة بعد أن أوهمتهم بأنها "ابنة بوتفليقة" وقدمت لهم وثائق، تبين فيما بأنها مزورة، لتحصل على الفيلا رقم 143 بإقامة الدولة بـ"حراسة أمنية ليوم كامل".

 

ووفق ما ذكرته مختلف وسائل الإعلام المحلية، لم تكن تلك الفيلا للإقامة، بل "فسحة لمناقشة المشاريع والصفقات مع كبار المسؤولين"، لكن بـ"أمر من السيدة مايا"، مقابل حصولها على رشاوى ونسبة من الأرباح وهدايا ثمينة خصوصاً من رجال الأعمال.

 

وبصفة "ابنة بوتفليقة" المزعومة، تمكنت تلك السيدة الغامضة من جمع ثروة هائلة لم تحددها بعد الجهات القضائية.

 

كيف تحولت إلى "ابنة بوتفليقة"؟

 

قصة المرأة الغامضة "مايا" تصلح لأن تكون سيناريو لفيلم سينمائي وفق تعليقات الجزائريين عبر منصات التواصل، خصوصاً مع غرابة تفاصيل القصة وغموض طبيعة الأطراف الذكية أو الساذجة فيها ونهايتها الدراماتيكية.

 

ورغم تسرب تفاصيل القضية، إلا أن الكثير من المعلومات الشخصية عن تلك السيدة تبقى غامضة، بينها اسمها الكامل وعمرها الحقيقي وحتى صورها حيث بقيت مجهولة لدى الجزائريين، وقد يكون ذلك واحدا من أسباب غموض قضيتها وتشويق قصتها.

 

وذكرت وسائل الإعلام الجزائرية جوانب هامة من قضية "مايا"، وكيف تمكنت من اختراق كبار المسؤولين وتحولت بين عشية وضحاها إلى "ابنة سرية" لبوتفليقة.

 

بداية قضية الفساد الغريبة كانت سنة 2015، حينما تواصل والدا "مايا" مع المستشار الشخصي لبوتفليقة وهو محمد روقاب الذي كان يوصف حينها بأنه "رجل الرئاسة القوي"، رغم أن اسمه لم يظهر في تفاصيل المحاكمة.

 

وطالب والدا "مايا" من المستشار الرئاسي توسطه لتمكين ابنتهما "مايا" من فتح محطة للوقود بمحافظة البليدة، الواقعة وسط البلاد، والبعيدة عن العاصمة بنحو 35 كيلومترا.

 

ومنذ ذلك الوقت، أصبحت "مايا" قريبة من المستشار "روقاب" الذي كان يصطحبها معه في لقاءاته مع كبار المسؤولين ويعرفها على أنها "من عائلة الرئيس".

 

لكن سرعان ما انتشرت شائعة بين المسؤولين أن تلك السيدة "ابنة سرية لبوتفليقة" تحولت بسرعة البرق إلى حقيقة ثم فضيحة لم تشهدها الجزائر في تاريخها، وهو اللقب الذي مكنها من التقرب من مسؤولين لاسيما المشرفين على القطاعات الاقتصادية.

 

وما زال القضاء الجزائري يبحث عن حلقات ضائعة من القضية، خصوصاً وأن التحقيقات الأمنية توصلت إلى أنها "كانت وسيطاً بين بعض الوزراء ورجال أعمال للحصول على امتيازات بطرق غير قانونية" بخاصة في قطاع الأشغال العمومية، وتمكنت من جمع وزراء برجال أعمال في الفيلا 143 لتوقيع "الصفقات تحت الطاولة".

 

وخلال جلسة المحاكمة الأولى، التي جرت 11 أغسطس/آب الماضي، كشف وزير الأشغال العمومية الأسبق عبد الغني زعلان لقاضي المحكمة بصفته أحد المتهمين في القضية، عن الطريقة التي وقعت بها في شباك الأمن وكيف افتضح أمرها.

 

وفي إفادته للمحكمة، أوضح زعلان بأنه "شكك في أمرها وتواصل مع السعيد بوتفليقة" شقيق الرئيس السابق ليستفسره عن حقيقة تلك المرأة، مضيفاً أن السعيد بوتفليقة" نفى أن تكون من أفراد عائلته وأنها انتحلت صفة ابنة الرئيس"، ليقرر بعدها الوزير الأسبق "إلغاء كل القرارات التي اتخذها لصالح مايا ويبلغ عنها الأجهزة الأمنية" كما قال في إفادته.

 

وفي 19 يوليو/تموز، تمكن الأمن الجزائري من توقيف المتهمة "مايا" مع بناتها بمطار "هواري بومدين" الدولي قبل هروبها، وضبط بحوزتها جوازات سفر مزورة.