فيلم "الجزيرة".. صوت انهيار تحالف ماليزيا وتركيا وقطر و"جيش الباوانج" يهدد الدوحة

عرب وعالم

اليمن العربي

أحالت الشرطة الماليزية، يوم الخميس، إلى المدعي العام في كوالالمبور، أوراق التحقيق مع طاقم قناة الجزيرة القطرية، بخصوص الفيلم الذي أعدته القناة وبثته بنسختها الإنجليزية في الثالث من تموز الماضي، متضمنا تجريح الحكومة الماليزية في معاملتها للعمالة الأجنبية غير الشرعية، خلال فترة الحجر التحوّطي لوباء فيروس كورونا.

 

وفي وصفها لما فعلته قناة الجزيرة بشريطها المسمى ”معتقلون خلال العزل في ماليزيا“، استخدمت الحكومة الماليزية تعابير أنه “ مُضلل، ظالم، غير دقيق، ويشوّه صورة ماليزيا“. كما وصفت ما فعله مخرجو البرنامج بأنه ”تحريض وتشهير وانتهاك لقانون الاتصالات“، وهو تجريم يؤدي إجرائيا إلى إلغاء تراخيص العاملين، وبينهم أستراليون.

 

صحيفة ”ذي واير“ وصفت ما فعلته قناة الجزيرة، وما ردّت به الحكومة الماليزية، بأنه أزمة سياسية. لكن حيثيات هذه الأزمة المتصلة على مدى الأسابيع الخمسة الماضية، عممت انطباعات بأن ما حصل كان إعلانا رسميا بموت ”مشروع الإسلام السياسي“، الذي تآلفت عليه العام الماضي تركيا وقطر وماليزيا، وانعقدت له في كوالالمبور قمة كان بين أهدافها توكيل قناة الجزيرة بأن تتحدث باسم هذا التجمّع تحت شعار المحاربة الإعلامية للإسلاموفوبيا .. وفق "إرم نيوز".

 

وفي التفاصيل التي غابت عن التغطيات الإعلامية باللغة العربية، أن رد الفعل الماليزي على التحرش القطري، ذهب أبعد مما كانت تتوقعه الدوحة.

فبعد ساعات من بث الجزيرة للشريط، امتلأت صفحات الفيسبوك الماليزية بصور خوذات التشكيل الغامض الذي يسمي نفسه ”جيش الباوانج“ (يشبه ما يعرف عربيا بالذباب الإلكتروني)، ممن اتهموا قطر بتعمد تشويه صورة ماليزيا، ووقعوا بمئات الآلاف على عريضة تطالب الجزيرة بالاعتذار. وأيّدهم في هذا المطلب التهديدي وزير الدفاع الماليزي صبري يعقوب.

 

مؤسسة ”برناما“ الإعلامية الحكومية، وصفت في أحد برامجها التلفزيونية القناة القطرية بـ“ قناة الجاهلية“. وأعقبتها الشرطة باقتحام مكتب الجزيرة ومصادرة جهازي كمبيوتر، واستدعاء صحفييها مرتين للتحقيق، وهو ما وصفته إدارة قناة الجزيرة بأنه ”عملية ترويع.

 

وفي الرد على اتهامات الجزيرة للحكومة الماليزية بالتجاوز على حرية الإعلام، فقد توسعت الصحف والقنوات الحكومية بعرض كشوف موثقة لما وصفته بنهج الازدواجية الإعلامية الذي تعمل به قناة الجزيرة، حيث تتهم الدول الأخرى بإساءة معاملة العمال الأجانب، لكنها تتجاهل الإشارة لما يصدر من منظمات العمل وحقوق الإنسان الدولية من وثائق عن انتهاكات قطرية أشد قسوة لحقوق العمال الأجانب، وضحاياها بالوفيات.

 

في مقابل من وصفوا الملاحقة الأمنية الماليزية لقناة الجزيرة، واقتحام مكتبها بأنه إعلان وفاة لمحور قطر- ماليزيا – تركيا، فإن تفاصيل ما فعلته قطر وردّت عليه ماليزيا، عززت القراءات التي قالت إن هذا المحور للدول الثلاث المتآلفة على توظيف الإخوان المسلمين، وُلد ميتا في الأساس، ولم يغادر عتبة انفضاض قمة كوالالمبور، في ديسمبر 2019.

 

وهي نفس القراءة التي رصدت كيف انتقلت العلاقة بين قطر وماليزيا من التحالف إلى العداء، مباشرة بعد سقوط مهاتير محمد، الحليف الوثيق لقطر، عندما خسر معركة رئاسة الحكومة الماليزية، بشهر آذار/ مارس الماضي، لصالح وزير الداخلية الأسبق محيي الدين ياسين.

 

في الحسابات الماليزية التي جعلت ردها على قناة الجزيرة ممهورا من وزير الدفاع، وينهض به ”جيش الباوانا“ الأهلي، فإن إعداد قناة الجزيرة لشريط “ معتقلون خلال العزل“، لا بدّ استغرق عدة شهور. لم يكن ابن يومه. بثّه في مطلع تموز، يعني أن القرار القطري بتنفيذه اتُّخذ مباشرة بعد خروج مهاتير من السلطة، قبل نهاية الربع الأول من السنة. وهو ما يعني أن عمر التحالف لم يتجاوز أربعة أشهر لتنقلب قطر في علاقتها مع ماليزيا من موقع الشريك إلى العدو.

 

قصة فيلم قناة الجزيرة عن العمالة الأجنبية في ماليزيا، لم تنته فصولها بتحويل ملفها، مساء الخميس، إلى المدعي العام في كوالالمبور. فهي في سياقاتها السياسية أضحت مادة خبرية دولية من زاويتين:

الأولى كون قضية الشريط التلفزيوني اتخذت صوت الفرقعة التي تصدر عن تفكك وانهيار كل ما بُني بين الدول الثلاث، قطر وماليزيا وتركيا. فقد بني على أسس حزبية لا تأخذ بالاعتبار المصالح الحقيقية لهذه الدول.

 

ولأن لكل واحدة من هذه الدول الثلاث أجنداتها الخاصة، وإن التقوا على توظيف ”الإخوان“، فقد كان طبيعيا أن تنوء قمة كوالالمبور (ديسمبر 2019) بمشاريع ونظريات من نوع ”دينار الذهب“ كنظام للمقايضة بديلا عن الدولار، ومثله تكليف قطر بأن تنفق على هذا التحالف مقابل اعتماد قناة الجزيرة لتكون أداته الإعلامية بذريعة الدفاع عن الإسلام في وجه من يتهمونه بالإرهاب.

 

أما الفصل الثاني من تداعيات انهيار حلف تسييس الإسلام، بين قطر وماليزيا وتركيا، فهو ما ستشهده مجاميع الإخوان المسلمين الذين كانوا هربوا من مصر أو غادروا الدوحة في بعض صفقات المقايضة، واستضافهم مهاتير محمد وتشكيلاته الحزبية طوال الفترة الماضية.

 

وفي المعلومات أن مجاميع الإخوان، بدأوا التجهيز لمغادرة ماليزيا بعد أن انتقلت مع قطر من التحالف الذي يرعاهم ويوظفهم، إلى التوتر المكشوف الذي يدفعهم الآن للتساؤل عن مآلات هذه الأزمة، وسط تقارير متواترة عن رغبة الحكومة الماليزية الحالية في استعادة وتحسين العلاقة مع السعودية على حساب المحور التركي القطري الإيراني