كاتب: قطر تنكر أنها تدعم الإرهاب ولكن الوقائع والأدلة تعدّت حدود الاتهام المجرد

عرب وعالم

تميم
تميم

قال الكاتب علي الصراف، إن "قطر تنكر أنها تدعم تنظيمات الإرهاب ولكن الوقائع والأدلة تعدّت حدود الاتهام المجرد، إنها اعترافات وحقائق وأدوار ملموسة. وكلها تصب في خانة توفير التمويلات لتلك التنظيمات".

 

 

وأضاف في مقال نشرته صحيفة "العرب" الصادرة اليوم الاثنين - تابعها "اليمن العربي" - "يمكن للمرء أن يخطئ. السياسة تحتمل ذلك من دون أدنى شك. وقد نخوض في خلاف أو جدل، ولكن ماذا يبقى إذا أخذتك العزة بالإثم؟ بل ماذا يبقى من قيمة أي قول أصلا؟

 

 

وبحسب الكاتب "قطر لا تفعل، منذ سنوات عدة، سوى أن تأخذها العزة بالإثم. حقيقة، لا شيء أكثر من ذلك. بل وكلما أظهرت الدول العربية المعنية بصد الأذى حرصا على التعايش، كلما زادت الدوحة عنادا، وكأن المراهقة ترفض أن تنضج.

 

ولا أحد يرغب، لاسيما بين الدول العربية التي قررت مقاطعة قطر، أن يلحق بقطر ما تلحقه قطر بغيرها. فقط قالت: “كفوا عنّا شركم”. أو “كفى، تعني كفى”. فكانت مقاطعة، لا قطيعة.

 

أنظر في أدق تفاصيل المقاطعة العربية، وسترى أنها لا أكثر من مسعى لاتقاء الشر. ولا أحد تقصّد أن يتبع الأذى بأكثر من صدّه. وهذا حق بسيط.

 

هل تتضرر الدوحة من جراء ذلك؟ ربما، ولكنها بعنادها، وتمسكها بالضلالة، تكاد تستهين بذلك الضرر. وهو طفيف على أي حال.

 

القطريون يجولون أربع أرجاء الأرض بحرية. ويحجون ويعتمرون بيت الله الحرام، باحترام واهتمام أكثر مما يحظى به آخرون. على الأقل تحاشيا للزيادة في القيل والقال. وظلّت أبواب السعودية مفتوحة للنوايا الطيّبة. والوساطة الكويتية لم تنقطع. وفعلت الإمارات الشيء نفسه، وزادت في الحرص على الأخوة، كي تأتي مضمخة بالنزاهة، فركنت الملف كله على كتف الرياض لتقول فيه القول الأخير. وردّدت البحرين الموقف المخلص نفسه. ولطالما شدّدت القاهرة على أنها لا تريد من الدوحة إلا ما تم التوافق عليه، برضا الدوحة نفسها، قبل أن تنقلب الدوحة على نفسها. ولئن خاضت الدوحة في مسعى لحوار جانبي مع السعودية، فإنه لم يأت مخلصا. من ناحية، لأنه تحاشى القضايا الأساسية في الخلاف. ومن ناحية أخرى لأنه قصد وجها آخر للشر، بتحويل الخلاف على أنه نزاع مع الإمارات.

 

وكان الأمر مثيرا للقرف، بالفعل. إذ المسألة لم تكن هنا ولا هناك. العواصم العربية الأربع التي قررت مقاطعة قطر، إنما قدّمت لها مطالب، لا تتجاوز دفع الشر عنها. وإذا جاز لهذه العواصم أن تكون ضحية لأعمال التحريض والدعاية الرخيصة، والعواقب الناجمة عن دعم قطر لتنظيمات الإرهاب، فالإمارات واحدة من الضحايا، وقررت، على حد السواء نفسه، أن تقول “كفى”.

 

بعبارة أخرى: لا شيء استثنائيا في موقف الإمارات. وليس لها مطلب يزيد عما يطلبه الأشقاء الآخرون. سوى أن تخصيصها بالعداوة، هو نوع من تجسيد المرض. إنه الإثم، والعزة فيه. وعندما صدّت الرياض المحاولة، انقلبت الدوحة لتتعالى عليها ببيان أقل ما يقال فيه إنه أقبح من ذنب.

 

تنكر قطر أنها تدعم تنظيمات الإرهاب. ولكن الوقائع والأدلة تعدّت حدود الاتهام المجرد. إنها اعترافات وحقائق وأدوار ملموسة. وكلها تصب في خانة توفير التمويلات لتلك التنظيمات. مئات الملايين من الدولارات ذهبت إليها. وآخرها كان ما يقرب من مليار دولار تقاسمه حزب الله والحرس الثوري ومنظمات الإرهاب التابعة له في العراق. أما جبهة النصرة، فقد كانت لا تختطف رهينة، إلا من أجل أن يكون الاختطاف تعلّة لعشرات الملايين، تسرع قطر لتتبرع بها، بزعم قيامها بلعب دور إنساني مفضوح الغايات. محاسب الإرهاب في الدوحة، كما في العديد من العواصم الغربية، يعرف جيدا كم دفع لهذا التنظيم وذاك وذلك، من “جبهة النصرة” إلى “جيش الإسلام” إلى “أحرار الشام” و”صقورها”. وحقيقة أن دعم قطر لتنظيم الإخوان المسلمين، وإيوائها لقياداته، قصة قائمة بذاتها. وما من عاقل في أربعة أركان الأرض، إلا ويدرك أن “الإسلام السياسي” واحد، وأن “الإخوان المسلمين” هم عصب الحركة، ومحركها، والرحم الذي تولّدت منه كل تنظيمات الإرهاب.

 

لا يحتاج الأمر إلى برهان حتى. فالدلائل التي تثبت الصلات والنوافذ والشبكات التي تربط بين جماعات الإسلام السياسي، المسلحة منها وغير المسلحة، مفتوحة على بعضها بدرجة لا تحتاج إلى ما يثبتها.

 

ولقد أرادت قطر من دعمها للتنظيم الأم، وكل فروعه الأخرى، أن تحقّق غاية لا يكفي القول إنها واحدة من أكبر الجرائم التي عرفتها المنطقة.

 

لماذا دعمت قطر هذه التنظيمات؟ الجواب مكشوف تماما لكل ذي بصر وبصيرة. إنه الحلقة المركزية لمشروع يقضي بتفتيت المنطقة وتمزيق شعوبها وإسقاط دولها الوطنية، وإغراقها بدم بعضها البعض. لكي تهنأ إسرائيل بقوتها وتفوقها، ولكي تهنأ قطر بخدمة واحد من أعتى خطط “المحافظين الجدد” في واشنطن، الذين خططوا لغزو العراق، فدمروه، والذين لم يخفوا، ولا حتى للحظة واحدة، أنهم يريدون إعادة المنطقة كلها قرونا إلى الوراء، بتحويلها إلى طوائف ومذاهب متنازعة.

 

قطر إنما قدمت الدعم السخي لهذه الجريمة بالذات. وظلت تتكابر على كل الحقائق التي تقول إنها أشبه بقنبلة نووية يتم تفجيرها في مجتمعات المنطقة، لتدميرها الدمار الأخير. شيء كالذي يحصل في العراق وسوريا الآن.

 

نحن، أصحاب الرقبة المذبوحة والظهر المكسور، نعرف لماذا تفعل قطر ذلك. إنه جزء من مرض الصغر. صغر النفس لا المساحة، الذي يصيب بعض من يقرأون السياسة بحجم ما لديهم من مال. إنه جزء من عقدة نقص لا يتمّها حتى المال، فيحوّل إلحاق الأذى بالآخرين إلى متعة. كما إنه اشتهاءات عدوانية لرؤية الكبير يصغر، والقوي يضعف، والمنظم يسقط في لجة الفوضى.

 

هل لدى أي أحد شك، بأن الإسلام السياسي في سوريا، هو ذاته الإسلام السياسي في ليبيا وتونس ومصر والعراق؟

 

 

وهل لدى أي أحد شك، بأن دعم طرف من أطرافه، هو في الواقع دعم للآخر، حتى وإن لم يصله المال؟

 

إلا الحماقة، فهي وحدها التي تحسب أن تقديم الدعم لـ”عصائب أهل الحق”، لا يوصل الشيء نفسه إلى تنظيم داعش، على سعة المسافة المذهبية بينهما.

 

الحق، هو أن تغذية تنظيم واحد، ولو بقرش واحد، هو نوع من التشجيع لكي يأخذ الآخر، فالآخر، المسار نفسه. ولئن حمل أحدٌ سلاحا، فالنتيجة الطبيعية هي أن يحمل الآخر فالآخر سلاحا، وهكذا.

 

قطر لا تستطيع أن تنكر أي شيء من هذا. تستطيع أن تزعم أن الدليل على دعمها للإرهاب “أسطوانة مشروخة”، إلا أنها لا تستطيع أن تنكر أن الأسطوانة أسطوانتها، وشرخها إنما هو شرخُ دم ما يزال يُسفك بما تدفعه من مال لهذا الطرف أو ذاك، ممن يخرجون على الدولة، ليتطرفوا على المجتمع.

 

ولئن تذرّع، إعلامها الأجوف، بمثالب هنا أو هناك أو هنالك، فلا أحد أنكر أن لتلك المثالب تاريخا من العقبات والعقد والتحديات. ثم لا أحد ينكر أن طريق الإصلاح يتطلب مشروع بناء. وها هنا أصل العلة بالذات. فالمجتمعات، كالإنسان، لا تفكر قبل أن تشبع، ولا تقيم ديمقراطيات، من دون بنى تحتية قادرة على حملها وحمل ثقافتها وإرساء نُظمها. ودون ذلك الفوضى. ودونها سفك دماء. وهذا ما هو حاصل، ليراه الأعمى قبل البصير.

 

ماذا قدمت قطر لمشروع البناء؟ لقد قدمت المال والسلاح لكي تهدم ما ترى أنه يجب أن يتهدّم. ولكن من أجل أن يتهدم فحسب. فتجلس الغلواء على تلة الخراب، وتهنأ بما جاز للعزة أن تأثم فيه.

 

إنه مشروع وحشي، يقصد على وجه الدقة والحصر “إدارة التوحش” في دول المنطقة برمتها.

 

أفهل اشتبه على أحد عنوانا؟

 

نعم، إنه هو ذاته مشروع “إدارة التوحش” الذي خرج منه داعش. وقطر العزة والمجد الثليم، هي وجهه الآخر للدم والنكران.