كاتب: بقيت ليبيا واليمن علامة استفهام كبرى

أخبار محلية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

قال الكاتب الدكتور عبدالمنعم سعيد، "يوم الأربعاء الماضي كان الذكرى الثامنة عشرة لما عرف بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، الذي ربما كان علامة فارقة في تاريخ البشرية، لم يكن ممكنا وضع الذكرى في قاموس المعارك العسكرية، فلم تكن هناك معركة في ذلك اليوم، ولو كانت كذلك فإن أرقام الضحايا في ذلك اليوم -ثلاثة آلاف قتيل- ربما لم تكن لتضاهي أعدادا أكبر ماتت في يوم واحد في معركة من معارك الحرب العالمية الأولى أو الثانية".

 

 

وأضاف في مقال نشره موقع "العين الإخبارية" - تابعه "اليمن العربي" - "ولكن الحادث كان يوما آخر، وفي ملفاتي وجدت عمودا صحفيا كتبته بعد مرور عشر سنوات على الواقعة، تحت العنوان "١١ سبتمبر ٢٠١١" جاء فيه:

 

عشر سنوات مضت بالتمام والكمال على ما استقر في "الأدب الجهادي" تحت اسم "غزوة نيويورك"، حينما ضُرب برجا مركز التجارة العالمي ومن بعدهما مبنى وزارة الدفاع الأمريكية بطائرات مخطوفة، وحينما عرف ركاب الطائرة الرابعة المصير الذي ينتظرهم قاموا بالهجوم على مختطفي الطائرة فما كان منهم إلا أن ضربوا بها أرض بنسلفانيا.

 

كان اليوم يوما من أيام الهول التي بعدها لا يصبح التاريخ كما كان قبلها، وتخبطت الدنيا كما لم تتخبط من قبل. فقد كان ثمن الغزوة غزوات لأفغانستان أطاحت بحكم طالبان، وبدون أن يكون له ذنب فيما جرى فقد جرى غزو العراق والإطاحة بحكم البعث. وجرت أمور قسمت السودان، ومن قبلها دخل الصومال نفقا لم يخرج منه بعد.

 

وهكذا جرت الغزوات شمالا وجنوبا لا تستثني نفقا في لندن ولا محطة قطار في مدريد، ولم يمضِ وقت طويل حتى دخل العالم أزمة اقتصادية طاحنة لم ينج منها أي من أصحاب الغزوات من الشمال أو الجنوب، بعد أن اتفقوا على صراع ممتد لحضارات كان يمكنها تشكيل تاريخ الإنسانية في اتجاه آخر.

 

عقد كامل ولا يزال العالم يترنح من هول الصدمة، ولا يزال بيننا من يعتقد أن في الأمر خدعة ومؤامرة لم أقتنع بها يوما ولكن ما يهم الآن هو نتائج هذا اليوم الذي افتتح القرن الواحد والعشرين بدخان ليس له آخر ولهب لافح صهر أعصابا ودولا قبل أن يهوي بناطحات سحاب.

 

معضلتنا الآن أن جماعة أسامة بن لادن عادت إلى صفوفنا، ودخلت بين ثنايا الثورة وطياتها، وعلى الرغم من أن أظافر العنف لم تظهر بعد فإن تقاليد أفغانستان وباكستان وما بينهما في وزيرستان أصبحت في شوارعنا.

 

ويوم مضت جمعة "قندهار" لم يطلع لمصر نهار آخر، ومن ظنوا أن الدولة "الفرعونية" قد وصلت إلى نهايتها بات عليهم أن يتأملوا دولة من ذات النوع حتى ولو غاب فرعونها، فالمسألة في الأول والآخر، وفي البداية والنهاية، هي شكل الدولة التي يعاد تأسيسها خلال المرحلة المقبلة، وما سوف تحتويه من مؤسسات، ومن قواعد وأحكام.

 

لقد انتهى الصراع على مستوى العالم أو دخلت الأطراف في هدنة مؤقتة أو دائمة، ولكن جماعتنا عادت ودخلت في تلابيب السياسة، وكان هناك من كان على استعداد لاحتضانها ربما رغبة في سيادة الاعتدال، وربما خوفا ورهبة ورغبة في انتقام جرى التصور أن أوانه جاء.

 

كان ذلك ما كتبته في ذلك الوقت بعد عقد من الزمان على الحدث الكبير، وجاءت الكتابة في عام ٢٠١١ الذي لم يكن رحيما بمصر ولا بالمنطقة، كان عصر الثورات قد أتى ربما تأثرا بأفكار جرى التصور أنها جوهر "العولمة"، وصدقها شباب اليوم آنذاك وأن عهد الليبرالية والحرية والديمقراطية قد وصل إلى ضفاف النيل.

 

ولكن العمود يشهد كيف كان هذا الحلم قصيرا للغاية، بل إنه لم يستمر إلا لأيام، كان واضحا ساعتها أن ميدان التحرير صار مستودعا لأفكار أسامة بن لادن ورفاقه، وتبخر الشباب الذي كان مثل الورد "الذي فتح في جناين مصر!" كان ذلك جزءا من غنوة قديمة غناها الشيخ إمام لنوعية أخرى من الشباب المصري الذي خرج خلال سنوات ما بين ١٩٦٨ و١٩٧٢ يطالب بالحرب، في الوقت الذي كان فيه شباب العالم يطالب بالحب.

 

تكررت الأغاني مرة أخرى مع ما سُمي "الربيع العربي"، ولكن حينما أتى زمن الربيع الفعلي في مارس وأبريل ومايو كانت الثورة قد انتهت، وكان الشباب قد ذهب إلى بعيد، حدث مثل ذلك في عدد من الدول العربية، ولم ينتصف العقد حتى كانت سوريا وليبيا واليمن تعيش حربا أهلية، ودخلت دول عربية أخرى في حرب طويلة ضد الإرهاب.

 

لم يكن تنظيم القاعدة وحده في الميدان وإنما تولدت عنه ومن خارجه تنظيمات كثيرة كان أبرزها "داعش"، الذي فاق الجميع في الذبح والحرق والقتل، كان أسامة بن لادن قد قتل في غارة أمريكية على مكانه في باكستان، ولكن نهاية التنظيم لم تأتِ، وبات أيمن الظواهري هو رئيس التنظيم.

 

النصف الثاني من العقد شهد تغيرات كبيرة على مستوى العالم، وأيا كان ما يقال عن العقد الأول من القرن الواحد والعشرين فإن أحداث العقد الثاني شهدت تراجع الولايات المتحدة ودورها العالمي.

 

كان أوباما بداية العزلة التي رأت الأزمة الاقتصادية في عيون التوسع الكوني للدولة، وبينما حدث ذلك مع الرئيس باراك أوباما على اليسار الفكري فإن ٢٠١٦ شهد مولد دونالد ترامب الذي استعاد من التاريخ الأمريكي أفكارا للعزلة، وحكم "الرجال الأقوياء"، والتوتر مع المؤسسات في الداخل، والحلفاء في الخارج، أما الخصوم فقد كان ترامب على استعداد لعقد الصفقات معهم.

 

وفي العموم ذهبت سياسات "العولمة" بعيدا، وحلت محلها سياسات "الهوية" التي أنتجت "بريكست" ووضعت خطوطا حمراء على المنظمات متعددة الأطراف.

 

ووقت كتابة هذا المقال فإن معضلة ترامب لم تعد عما إذا كانت الولايات المتحدة تريد الخروج من العالم أم لا، ولا كيف تخرج وبأي صورة، وما الذي تفعله مع سياسات اقتصادية واستراتيجية للصين، أو تفعل مع روسيا التي لا تتردد في استخدام القوة، والتدخل في الانتخابات الأمريكية؟

 

لم يكن العالم قد انتهى تماما من الإرهاب، ولكن هذا الزخير تقلص، وهزمت "دولة الخلافة" وانتهى أمرها، ولم تعد القضية البحث عن "القاعدة" أو "داعش" وإنما عما إذا كان التنظيمان وأمثالهما من تنظيمات إرهابية تعيش حالة من "الكمون الاستراتيجي"، أو أنهما في الطريق لجولة أخرى من القتال.

 

في الشرق الأوسط كانت بداية الخروج من عبء أحداث الحادي عشر من سبتمبر مع انتهاء تجربة الإخوان المسلمين ليس في مصر وحدها وإنما اصطفت معها دول عربية كثيرة، فبات الإخوان لعنة أبدية في معظم الدول العربية، الإمارات والسعودية لم تشكلا فقط المقاومة في اليمن، ولكن في داخل كل منهما انتهى التنظيم، والأهم أفكاره.

 

وبشكل ما فإن سقوط "دولة الخلافة" كان مؤشرا على عودة الدولة مرة أخرى، فالعراق الذي كان بالاستفتاء الكردي على وشك التقسيم تماسك مرة أخرى على الأقل حول بقاء الدولة، أما ضعفها وقوتها فربما يتحدد مصيرها مع عقد آخر، سوريا التي كانت سلطتها المركزية تستحوذ فقط على ٢٥٪ من الأراضي السورية فإنها باتت تستحوذ على أكثر من ٦٠٪ من الدولة.

 

لم تعد القضية بقاء الدولة كما عرفها العالم بحدودها المعروفة، وإنما كيف يتم تنظيم الأوضاع داخلها ووفق أي دستور.

 

وعندما هبت نسمات "الربيع" مؤخرا في الجزائر والسودان فإن التطورات السياسية لم تضع الدولة موضع التساؤل، وإنما كانت المساءلة على كل شيء آخر، بقيت ليبيا واليمن علامة استفهام كبرى، فبصمات الإرهاب، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر لا تزال باقية.