أسباب الإخفاق الأمني في عدن والتحدي الأصعب أمام العاصمة المؤقتة "تحقيق"

تقارير وتحقيقات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

شهدت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، خلال الأسابيع الماضية، حوادث أمنية جنائية وإرهابية، هدفت إلى زعزعة أمن واستقرار المدينة التي تحررت من سيطرة قوات الحوثي وصالح الانقلابية منتصف يوليو الماضي بعد أربعة أشهر من احتلالها.


 

ومثل شهر يناير الماضي، شهر دامي في تاريخ المدينة التي أعلنها الرئيس عبدربه منصور هادي في مارس 2015م عاصمة مؤقتة للبلاد إلى حين تحرير العاصمة السياسية صنعاء من سيطرة الانقلابيين.


 

ووقعت هذه الحوادث بالرغم من الإجراءات الامنية التي شهدتها المحافظة عقب حادثة اغتيال المحافظ السابق اللواء جعفر محمد سعد بسيارة مفخخة استهدفت موكبه مطلع ديسمبر الماضي.


 

وحظيت العاصمة عدن بدعم لامحدود من قبل دول التحالف العربي لتأمين المحافظة، وعملت دولة الإمارات العربية المتحدة على تدريب المئات من شباب المقاومة الجنوبية في جزيرة عصب بإريتريا التابعة لها وزودت الشرطة العامة في العاصمة بأليات عسكرية وأمنية مزودة بأحدث التجهيزات.


 

في السطور التالية سيسلط "اليمن العربي" الضوء على أسباب الاختراقات الأمنية التي شهدتها المحافظة خلال الأسابيع الماضية وانعكاس دعم دول التحالف في الجانب الأمني والجهات التي تقف وراء أعمال العنف وغيرها من المواضيع المتعلقة بهذا الجانب.

 

عدن مستهدفة

 

حول أهم أسباب تزايد الحوادث الأمنية في عدن أكد المحلل السياسي عبدالرقيب الهدياني لـ"اليمن العربي" على ضرورة التسليم أن عدن مستهدفة بالفوضى والتخريب والحوادث الأمنية لعدة أسباب أهمها أنها العاصمة المؤقتة ونواة ومنطلق الشرعية، إلى جانب كونها النموذج ونشاط الرئاسة والحكومة والسلطة المحلية.


 

وقال الهدياني "لهذا حرص أعداء الشرعية على استهداف مقر الحكومة في فندق القصر مع بداية عودتها من الرياض واستهدفوا القصر الرئاسي بالسيارة المفخخة واغتالوا محافظ العاصمة عدن الشهيد جعفر سعد، بمعنى ان الهدف هو تعطيل أداء وعمل ونشاط هذه المؤسسات الشرعية الثلاثاء من قبل من خسروا عدن عسكرياً فسعوا لعرقلة أي جهد تقوم به الشرعية".


 

اختراقات وليس إخفاقات


وعن حوادث التفجيرات والاغتيالات التي شهدتها عدن، رفض مصدر مسئول في ادارة أمن عدن، وصف ما يحدث في عدن بالإخفاق الامني، لافتاً إلى أن مثل هذه الأعمال الإرهابية تحدث في كبرى مدن العالم وليس في عدن التي لازالت تبني جهازها الأمني.


 

وقال المسئول الأمني الذي فضل عدم ذكر أسمه لـ"اليمن العربي" أن ما يحدث في عدن هو اختراقات أمنية كما وصفها وزير الداخلية اللواء حسين عرب في احد تصريحاته الصحفية، وهذه الاختراقات حدثت جراء ضعف الخبرة لدى المستجدين من الجنود الذين لم يمضي على ضمهم إلى جهاز الأمن سوى أسابيع.


 

وأوضح المسئول، أن الجهاز الأمني لمحافظة عدن لازال في طور الإعداد ولم يستكمل بعد، وينقصه الكثير من الإمكانيات، فيما ينقص القوة البشرية لهذا الجهاز الخبرة،  لافتاً إلى أن الأمن في عدن في السابق لم يكن يتمتع بالولاء الكامل للوطن.


 

وبين المسئول أن هناك أسباب أخرى للاختراقات الأمنية، أهمها افتقار جهاز أمن عدن لوحدة استخبارات ووحدة لمكافحة الإرهاب، مضيفاً أن الإمارات تعمل حالياً على تدريب وحدة لمكافحة الإرهاب في جزيرة "عصب" بإريتريا.


 

وأكد المصدر أن جهاز الامن في عدن يحتاج الآن إلى دعم المجتمع المحلي في المديريات من خلال رفض الظواهر السلبية كحمل السلاح والتجول به في الشوارع وإطلاق الأعيرة في الأعراس إلى جانب الإبلاغ عن الأعمال الإجرامية والتحركات المشبوهة للعناصر الإرهابية، لافتاً إلى أن تجاوب المجتمع مع التحركات الأمنية ستعزز من جوانب الأمن والاستقرار في أي منطقة في العالم.


 

عجز الأمن وغياب القرار


من جانبه أكد السياسي الهدياني أن هناك عجز كبير في الأجهزة الأمنية بعدن وهناك غياب القرار، وقال "إذا علمنا أن مدينة مساحتها 2 كيلومتر مربع وهي المنصورة تحتل 90% من حوادث القتل والاغتيالات في عدن وهذه المدينة حتى اليوم هي خارج سيطرة السلطات وتسيطر عليها القاعدة وعصابات وجماعات مصالح تشكلت مع الحرب، وإلى اليوم لم تقم أجهزة الدولة والجيش والتحالف والمقاومة في عدن بأي محاولة جادة للسيطرة على مثلث بارمودا المنصورة وفرض الأمن فيها"، وتساءل بقوله "ماذا يعني هذا؟ الإجابة مريبة ومؤلمة جداً".


 

وأشار إلى أن هناك عوامل تستفيد منها جماعات العنف وتنجح في عدن منها تفكك المقاومة وتعدد قياداتها، موضحاً أن هذا التفكك يخلق فرصة للاختراقات.


 

وبين أنه ثبت أن القتلة والسيارات المفخخة تعبر في نقاط التفتيش مستخدمة بطائق تعريفية باسم المقاومة وهناك اختلالات أمنية وحوادث طرفها بعض مكونات المقاومة في إطار صراع مصالح ومكتسبات مالية ومؤسسات إيرادية كالميناء والمطار مثلاً.


 

في حين قال الصحفي فاروق طاهر إن أسباب الاختراقات الأمنية المختلفة التي تشهدها العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، تعود بشكل رئيسي إلى حالة الفوضى العارمة المترتبة على حرب ميليشيا الانقلابيين التابعين لجماعة الحوثي والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، ضد محافظة عدن وكافة المحافظات اليمنية.


 

وأشار إلى أن هذا الأمر هيأ الظروف الملائمة وأتاح المجال واسعاً أمام انتشار الجماعات المسلحة تحت مختلف المسميات وشروعها في تنفيذ مخططاتها وأجنداتها.


 

دعم دول التحالف العربي


قدمت دول التحالف العربي وعلى رأسها الامارات العربية المتحدة، دعم لامحدود لبناء وتأهيل جهاز الأمن في العاصمة المؤقتة عدن وزودتها بالمعدات والأليات والتدريبات اللازمة لتأمين المحافظة.



وقال مسؤول أمني المسئول الأمني، رغم حجم دعم التحالف لجهاز الامن في عدن إلا أن المسئولين في عدن تأخروا في الاستفادة من هذا الدعم الذي توقف في فترة من الفترات بسبب عدم استكمال إجراءات دمج أفراد المقاومة في الأمن.

وأشار المسئول في حديثه لـ"اليمن العربي" إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة عملت خلال الأشهر الماضية منذ تحرير عدن على بناء جهاز الأمن، لكنها في المقابل رفضت تقديم أي مساعدات مالية إلى حين استكمال دمج شباب المقاومة في المؤسسة الأمنية وفق المعايير والمواصفات التي تتطلب ذلك .

ويرى الصحفي "فاروق طاهر" أن دول التحالف وفي مقدمتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية قدمت دعم كبير في الجانب الأمني ولكن القيادة السياسية والحكومة تباطأت في الاستفادة من ذلك الدعم .

الهدياني، كان له رأيه الخاص الذي أشار إلى فيه اعتقاده أن التحالف العربي حتى الأن غير جاد في فرض الأمن  بعدن، موضحاً أنه لم يرى شيئا في هذا الاتجاه.


 

وقال الهدياني "أن دول التحالف العربي قادرة على فرض الأمن وستحظى بقبول شعبي عارم أن ارادت، ولكن يبدو أنها لديها حساباتها، فهم مهتمون بالتحرير لباقي المحافظات أولاً ثم ستأتي مرحلة التطهير لاحقاً".



وأستطرد "لكن الشرعية وتضحيات المقاومة والجيش والتحالف بأمس الحاجة إلى تعزيز الأمن والاستقرار في عدن والمحافظات المحررة لتكون نماذج ليمن المستقبل المراد بناؤه على أنقاض الميليشيا الانقلابية".

 

إتهام الحوثي وصالح


ويتفق جميع القيادات السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية، أن من يقف وراء الحوادث الامنية هي جماعة الحوثي والمخلوع علي صالح عبر خلايا نائمة تم زراعتها في عدن لتحقيق أهدافهم في زعزعة أمن واستقرار المحافظة.


وأعلن محافظ عدن العميد عيدروس الزبيدي، في أكثر من مناسبة وبشكل صريح أن من يقف وراء عمليات الاغتيال المتواصلة والحوادث الإرهابية هم خلايا نائمة تتبع المخلوع صالح جرى تنشيطها لاستهداف أمن واستقرار محافظة عدن.


عبد الرقيب الهدياني هو الأخر أتهم قوات الحوثي والمخلوع صالح بالوقوف وراء هذه الحوادث الامنية، وقال "اذا اردنا تصنيف الاغتيالات التي تجري في عدن ومن هم فاعلوها سنجد المخلوع صالح والحوثي هم المستفيد الأول وخصوصاً تلك التي لها علاقة باستهداف مؤسسات ورموز الشرعية"، لافتاً إلى أن هناك نوع من الاغتيالات لها علاقة بالقاعدة التي تستهدف ضباطاً أمنيين وعسكريين وقضاة لهم علاقة بملف الإرهاب.



وأشار إلى وجود قسم ثالث يتمثل في وجود صراع داخل مكونات المقاومة وصراع نفوذ بين أمراء الحرب وعصابات كما حصل في مشاكل ميناء عدن وما تلاه من عمل نقاط واغتيال أفراد محسوبين على مدير الشرطة العميد شلال شائع في "كالتكس" ومثلها البريقة وما يحصل في المنصورة أيضاً من تصفية حسابات وأعمال ثأر،  مضيفاً أن جميعها في الأخير أعمال مخلة وتضرب صورة العاصمة المؤقتة عدن وتشوه نضالات الجيش والمقاومة وتضحيات التحالف.

 

 

حلول هذه الإخفاقات


أتفق جميع اطراف هذا التحقيق، على ضرورة بناء وحدة استخبارات أمنية تسهم في تعزيز الأمن والاستقرار .

وأعترف المسئول الأمني، أن نصب حواجز التفتيش ونشر العناصر الأمنية في الطرقات ليس كافياً لتثبيت الأمن والاستقرار،  لكنه أكد ان الحالة الأمنية في عدن ستشهد خلال الفترة القادمة تطوراً ملحوظاً على كافة الأصعدة.

وأشار إلى أنه تم وضع خطة أمنية متكاملة بالتنسيق مع قوات التحالف العربي المتواجدة في عدن تشمل معالجات، غير أنه رفض الافصاح عنها.



من جانبه شدد فاروق على ضرورة أن تترجم الحكومة قراراتها وتصوراتها في المجالين الأمني والعسكري على أرض الواقع، من أجل نجاح الدولة اليمنية في تعاملها ومعالجتها لتلك الاختراقات، لافتاً إلى أن ذلك لن يتم إلا من خلال إعادة تأهيل وتفعيل المؤسستين الأمنية والعسكرية وجهاز الاستخبارات بشكل أكبر وصورة متكاملة عبر مراحل متسلسلة وفقاً لتخطيط استراتيجي وتكتيكي دقيق ومحكم والإسراع في ضم أفراد المقاومة فعلياً إلى الشرطة والجيش.


 

فيما أكد الهدياني أنه لا ينبغي أن يكتفي المسئولون في عدن بتحميل صالح والحوثي مسئولية ما يحدث من خراب وقتل يومي تجاوز كل الخطوط بل عليهم القيام بواجبهم كاملاً في التصدي لهذه الجرائم ومنع الانفلات الأمني الذي تجاوز عدد ضحاياه بالاغتيالات يومياً في شوارع عدن أكثر من 180 شخصاً منذ تحرير المحافظة في 17 يوليو من العام الفائت، مؤكداً أن هذا رقم مخيف إذا عرفنا بالمقابل أن السلطات الأمنية لم تقبض على مشتبه واحد حتى اليوم.